الإرهاب في الوسط المدرسي والجامعي في تونس

كاميليا بن عياد
باحثة بالمركز التونسي للبحوث والدراسات حول الإرهاب

لا شك في أن الحركات الإرهابية تستخدم وسائل عنيفة لتحقيق أهداف دينية أو سياسية وهي متنوعة حسب المعطيات والمتغيرات، إلا أنها تشمل مشروع إقامة الدولة الإسلامية، ومن أجل ذلك فهي تسعى للاستقطاب حسب حاجاتها وأهدافها.

إن الاستقطاب يستند إلى عملية تكوين لمجموعات أو فصائل تتبنى وتنفذ تلك الأهداف المرسومة، ويكون الاستقطاب دينيا أو سياسيا حسب سياقات مختلفة ولعل رصد التجربة التونسية تمكن من الوقوف على عديد المعطيات ذات الأهمية البالغة والتي من خلالها يمكن رصد الاستقطاب المدرسي والجامعي وعلى قاعدة جندرية.

إن الاستقطاب المدرسي والجامعي يمر عبر عمليات تأثير للتيارات الفكرية المتطرفة داخل المؤسسات التعليمية، فهو اختراق بكل ما في الكلمة من معنى للمؤسسات التعليمية ومحاولة التأثير من خلال الترويج للأفكار أولا، ثم التجنيد.

يلاحظ شح الدراسات المتعلقة بالاستقطاب المدرسي والجامعي والجندري، إذ لم يكن لهذه المعطيات التأثير لدى المجموعات الأكاديمية والبحثية للعناية بها رغم خطورتها، وخصوصية التجربة التونسية فيها، ولعل هذا الاستخلاص هو المدخل والدافع للمركز التونسي للبحوث والدراسات حول الإرهاب للاعتناء رصدا ودراسة بهذا المجال.

إن دراسة الاستقطاب كظاهرة لها خصوصيتها في تونس استندت على المعطيات الثابتة من خلال الملفات القضائية بما ينئ بالدراسة عن كل خلط مع مقدمات نظرية أو هلامية.

إن تنزيل المعطيات المستخلصة من الملفات القضائية يؤكد أن الاستقطاب المدرسي والجامعي والنسوي كان لحاجات تتعلق ببنيوية التنظيمات الإرهابية وكذلك بأهدافها والذي بلغ مداه في تونس، حسب الملفات القضائية بين سنتي 2014 و2015.

أكدت المعطيات القضائية أن الظاهرة الإرهابية وتنظيماتها المختلفة لم تشهد على أرض تونس اختلافا عنيفا أو صراعا مسلحا، بل على العكس فقد ثبت أن التعاون بينها هو السمة التي اختلفت بها التجربة الإرهابية التونسية عن بقية التجارب في الشرق.

لقد تحوّلت التجربة الإرهابية في تونس عموما من التأثير والاستقطاب والتجنيد بغاية احتلال الجبال الى المرور للمشروع المجتمعي الإسلامي، أي من مشروع فردي الى مشروع عائلي (من الفرد إلى المجموعة).

اعتمدت الدراسة بشكل أساسي ومركزي على عينة من التلاميذ والطلبة، إناثا وذكورا لكشف البيانات العامة من النوع الاجتماعي والشريحة العمرية والحالة الاجتماعية والمستوى التعليمي ومجالات الدراسة وبلد الدراسة والمهنة، فكانت الدراسة متخصصة تعتمد المتغيرات المشار إليها حسب رسوم بيانية وجداول إحصائية معلق عليها طبق محتوى الرسم أو الإحصاء.

وما يمكن استخلاصه من خلال الدراسة حسب العرض المنهجي التالي هو قيام التجربة للتنظيمات الإرهابية في تونس بما لها من الخصوصيات يجعلها متفردة.

شملت هذه الدراسة عينة من 560 طالب وتلميذ منهم 48 إناث و 512 ذكور تم رصدهم ضمن المتهمين في الملفات القضائية عن الفترة المتراوحة بين 2012 و2020.

ويتضح من الجدول المصاحب أن الانخراط النسائي في الجماعات الإرهابية قد شهد تطورا نوعيا خلال سنتي 2014 و2015، بالنظر الى عدة عوامل منها كثرة الملاحقات الأمنية والايقافات التي طالت القيادات الذكورية بعد سلسلة العمليات الإرهابية التي شهدتها تونس، وقد أدى ذلك الى ظهور دور إرهابي نسوي مختلف عن دور الاسناد والمساعدة التقليديين. فقد تطورت المساهمة النسوية في الإرهاب داخل البنية التنظيمية من جهة ومن خلال المهمات من جهة ثانية.

فعلى المستوى البنيوي تطور الحضور النسوي في التنظيمات الإرهابية من الوجود على الهامش صعودا الى أعلى الهرم، مثل فاطمة الزواغي وجهاد العشي وغيرهما، أما على مستوى المهمات فقد تطور الدور النسوي الإرهابي من مجرد الاسناد والتحضير والمساعدة، الى إدارة العمليات الإرهابية في حالة فاطمة الزواغي التي كادت تنجح في اغتيال السفير الأمريكي، أو جهاد العشي التي أصبحت أميرة وكادت أن تغتال وزير الداخلية التونسي.

كما تطور أيضا خلال سنتي 2014 و2015 مشروع الانتقال الى بؤر التوتر من مشروع قتالي تحبذ فيه المشاركة الذكورية الى مشروع انتقال الى الإقامة تحت دولة الخلافة بعد الإعلان عن تأسيس داعش في صائفة 2014، وأصبح التحول الى سوريا يتم عبر انتقال عائلات بأكملها سواء بطريقة قانونية عبر تركيا أو عبر اجتياز الحدود التونسية الليبية بطريقة غير قانونية.

ما اتضح من خلال الجدول أن نسبة الطلبة والتلاميذ من الشريحة العمرية 18 /24 التي انخرطت في الجماعات الإرهابية في سنتي 2014 و2015 ، هي الأكبر خلال السنوات التي تلت الثورة، وتلتها من حيث الأهمية، الشريحة العمرية 25/ 29، وهو ما يثبت أن الاهتمام في الاستقطاب لفائدة الجماعات قد انصب على الشريحة العمرية الأكثر قدرة على التحرك الميداني والأقل انشغال بالالتزامات المجتمعية. يضاف الى ذلك قدرة تلك الشريحة العمرية على الاستجابة الى التأثر والانتقال الى بؤر التوتر للمشاركة في القتال هناك. كما أنها الشريحة العمرية الأقدر على تحمل المصاعب والتأقلم مع ظروف الإقامة في الجبال بأبسط أسباب الحياة.

ويمكن تفسير الاستقطاب الذي تسلط على تلك الشريحة العمرية بواقع تطور الحركات الإرهابية في تونس بداية من صائفة 2014، إذ مع ظهور داعش في المشرق انقسمت الحركة الإرهابية في تونس بين القاعدة وداعش، فمن المعلوم أن كتيبة عقبة ابن نافع، المجموعة الإرهابية المقاتلة والمرابطة في جبال الشمال الغربي عقب الثورة قد أدت البيعة الى أمير القاعدة بالمغرب الإسلامي، وأصبحت تحضي بدعمها المطلق. 

مع ظهور داعش انقسمت كتيبة عقبة ابن نافع بشكل سلمي بعد حوار في خريف 2014 في جبال الشعانبي بين القيادات وعلى رأسهم لقمان أبو صخر الجزائري، وولد من رحم كتيبة عقبة ابن نافع التي واصلت ولاءها للقاعدة، كتيبة جديدة أطلقت على نفسها كتيبة أجناد الخلافة، أعلنت ولاءها لداعش.

وعلى خلاف ما تم في سوريا والعراق، لم تحدث في تونس نزاعات مسلحة بين التنظيمين، وهو ما مهد إلى التعاون بينهما في مواجهة القوات التونسية الحاملة للسلاح لاحقا.

يمكن من خلال جدول الحالة الاجتماعية ملاحظة أن اهتمام الإرهابيين انصب على شريحة غير المتزوجين أو "العزاب" من خلال الدفع بهم للجبال داخل تونس، أو لجبهات القتال خارجها، وقد شهدت سنة 2014 انخراط 154 طالب وتلميذ في التنظيمات الإرهابية، أما في سنة 2015 فقد ارتفع منسوب الانخراط ليطال 241 طالب وتلميذ، وهي أرقام مفزعة مردها تغلغل الإرهاب في الفضاءات المدرسية والجامعية، وغياب الرقابة المجتمعية والأمنية على تلك الفضاءات وعدم وجود سياسات واضحة في الرصد المبكر والاشعار والمتابعة، هذا طبعا بالإضافة الى انهيار منظومة الإحاطة النفسية والاجتماعية داخل أسوار الجامعات والمدارس. 

والجدير بالملاحظة أنه تمت معاينة وجود ظاهرة الزواج العرفي في صفوف الإرهابيين عموما وفي الفضاء المدرسي والجامعي، وهي ظاهرة ستتواصل خارج تونس في ساحات القتال.

تطورت مشاركة التلاميذ المنخرطين في العمل الإرهابي من 10 أنفار سنة 2012 الى 49 نفر سنة 2014 وإلى 112 نفر سنة 2015، قبل أن تتراجع خلال سنة 2016 الى 35 حالة ثم 13 حالة سنة 2017، ويعود الانتشار الواسع للإرهاب في المعاهد خلال سنوات 2012 الى 2015 الى المناخ السياسي العام الذي كان سائدا في تلك الفترة، والى ارتفاع منسوب الاستقطاب دون رادع في تلك الفضاءات وكذلك الى ظاهرة الانقطاع المبكر عن الدراسة والعزوف عنها.

كما تطورت نسبة المباشرين لتكوين مهني والذين انخرطوا في الإرهاب من 03 أنفار سنة 2012 إلى 21 نفر سنة 2014 إلى 22 نفر سنة 2015، وهو تطور مهم إذا ما انتبهنا إلى أن المجموعات الإرهابية تحتاج الى الحرفيين وأصحاب المهارات لتنفيذ مشروعها الإرهابي.

غير أن التطور الأبرز تم ضمن شريحة الجامعيين، فمن 06 أنفار فقط خلال سنة 2012 إلى 78 نفر سنة 2014 الى 104 نفر خلال سنة 2015 وهي نسب تكشف بوضوح أن اختراق المجموعات الارهابية قد امتد عميقا في الجامعة، ولعل الفضاء الجامعي مثّل أحد أولويات الحركة الإرهابية في تونس من خلال التركيز على الاستقطاب داخله.

يتضح من خلال هذا الجدول أن مجال الدراسة الأكثر عرضة للاستقطاب الإرهابي هو العلوم الصحيحة، فقد تبين من العينة المعتمدة في الدراسة أن عدد المنخرطين في المشروع الإرهابي خلال سنة 2014 يمثل 47 نفر من مجال الدراسة في العلوم الصحيحة في مقابل 07 أنفار فقط في العلوم الإنسانية، أما خلال سنة 2015 فقد ارتفع العدد في العلوم الصحيحة الى 52 نفر في حين أصبح العدد بالنسبة للعلوم الإنسانية 14 نفرا فقط.

تغلب على العينة المستخدمة في الدراسة اختراق الفضاء المدرسي والجامعي داخل تونس، فقد ارتفع العدد داخل تونس من 04 أنفار سنة 2012 إلى 11 نفر سنة 2013 إلى 84 نفر سنة 2014 الى 110 نفر سنة 2015، في حين لم نلاحظ إلا انخراط 08 فقط من خارج تونس خلال المدة المتراوحة بين 2014 و2017، ولم يتعرض 298 نفرا من العينة في مجال الدراسة الى هذه النقطة.

وتسمح الأرقام المقدمة الى القول بأن الفضاء المدرسي والجامعي الوطني مشمول بحالات الاختراق الإرهابية، وهو ما يستوجب مراجعة السياسات العمومية في مجال التعليم.

من خلال هذا الجدول انخرط في المجال الإرهابي 13 تلميذ خلال سنة 2012، وأصبح العدد 12 تلميذ خلال سنة 2013، قبل أن يشهد ارتفاعا ملحوظا خلال سنة 2014 ليتحول الى 75 تلميذ ثم الى 130 تلميذ خلال سنة 2015.

إن المتابع لانشغال الحركة الإرهابية وعملها على الشرائح العمرية يلاحظ أنها استغلت الأطفال بشكل ممنهج وعن دراية وتخطيط لما يتمتع به الطفل من امتيازات في السياسة الجزائية وطنيا ودوليا، وفلا يمكن تسليط عقاب يتجاوز 10 سنوات حتى في أشد الجرائم خطورة مثل القتل العمد مع سابقية القصد أو الضرب المفضي الى الموت أو غيرهما، كما أنه يسهل استقطاب تلك الشريحة العمرية لهشاشة في التكوين الفكري والاجتماعي.

أما في الفضاء الجامعي فقد تمت معاينة اتجاه 06 طلبة إلى التنظيمات الإرهابية خلال سنة 2012 وكذلك الامر خلال سنة 2013، وقد ارتفع العدد خلال سنة 2014 الى 77، ثم أصبح عدد الطلبة المنتمين الى التنظيمات الإرهابية خلال سنة 2015 يبلغ 117 طالب. 

إن سرعة الاستجابة التلمذية والطلابية للاستقطاب الإرهابي يكشف عن خلل في السياسات العمومية في تتبع الظاهرة ورصدها في الفضاءات التعليمية، فلم تلاحظ أية آلية وطنية للرصد المبكر، الظاهرة الإرهابية المستوطنة في الفضاءات المدرسية والجامعية.

تمت معاينة تورط عدد 03 معلمين خلال سنتي 2014 و2015، وهي ظاهرة خطيرة تكشف أحد سبل الاستقطاب وهو التسلل الى الجسد التعليمي الذي يملك سهولة الوصول الى التلاميذ، وأمان الدخول الى عقولهم دون رقيب. كما تم رصد تورط 05 أساتذة تعليم ثانوي في المجال الإرهابي خلال سنتي 2014 و2015، وهو ما يكشف عن توجه الجماعات الإرهابية نحو اختراق الإطار التعليمي خلال سنتي 2014 و2015.  

لم تكشف العينة موضوع الدراسة عن وجود مكثف للتجربة السياسية أو الجمعياتية لتوجه الملفات القضائية لعدم ذكر هذا المعطى عند البحث أو التحقيق رغم أهميته، فقد كانت الملفات في أغلبها خالية من أية إشارة إلى تلك التجارب، فعدد 11 فقط صرحوا أن لهم تجربة سياسية أو جمعياتية خلال سنة 2014، أما في سنة 2015 فقد تقلص العدد الى 07.  

في الأخير، 

بعد كل ما تقدم من معطيات كمية وترجمتها لاستخلاص بعض الاستنتاجات، يمكن القول أن محتوى الدراسة ذي قيمة علمية وبحثية، خاصة وأنها قد رصدت ما تضمنته الملفات القضائية، أي من خلال الاعتماد على عينة محددة وخارج كل تأثير أو استغلال لغايات أخرى غير العمل البحثي والأكاديمي.

إن حدود هذه الدراسة تتعلق أساسا بسنوات محدودة وما فيها معطيات كمادة مستغلة في البحث، وهو أمر يتعلق باختيارات المركز التونسي للبحوث والدراسات حول الإرهاب، بالتركيز على مادة متصلة بالملفات القضائية، في حيز زمني معطى موضوعي من سنة 2012 إلى 2020.