الإرهاب المؤنث وتكنولوجيات الاتصال

رضا الرداوي  
محام وباحث

مثلت الانترنت فرصة كونية لتطور تكنولوجيات الاتصال والبرمجيات الحديثة، لكنها كانت أيضا بوابة لا متناهية الأبعاد لارتكاب الجرائم والتحضير لها في كنف السرية وبضمانات كافية للإفلات من التتبع والعقاب.

لم يكن الإرهابيون قد تفطنوا بعد إلى قوة تأثير تكنولوجيات الاتصال، عندما دعا مجموعة من الخبراء خلال سنة 1982 إلى حق الإرهابيين في تمرير رسائلهم التي يريدون للعالم عبر الكلمات وليس عبر الجثث. وعلى المجتمع الديمقراطي تقبل ذلك[1].

إن الجريمة الالكترونية مرتبطة أشد الارتباط ببرمجيات الاتصال عبر شبكة الانترنت، فلا يمكن ارتكابها إلا باللجوء إلى تلك الشبكة، ولذلك فهي جريمة عابرة للأوطان ولا تخضع لمبدأ إقليمية الجرائم، فأثارها تتجاوز حدود البلاد التي وقعت طالما أنها تمت بواسطة الانترنت. فعند معاينة مسرح الجريمة الالكترونية أو المعلوماتية تم استحداث ضوابط جديدة لم تكن ضمن المفهوم التقليدي معاينة للجرائم.

ويمكن المجازفة بالقول أن الانترنت تشكل وسيلة مناسبة جدا للإرهابيين لتأمين إعادة تشكيل التنظيمات. كما أنها الوسيلة الكونية الأنسب لخوض الحرب الإعلامية التي تبدأ بإطلاع المتقبل على خصائص التنظيمات بهدف إقناعه بالأفكار والإيديولوجيات المتطرفة.

مباشرة بعد الثورة في تونس،تشكلت المجموعات الإرهابية حول المجموعات التي تم الإفراج عليها بموجب العفو التشريعي العام، وهي في أغلبها عناصر تمرست على الإرهاب في ظل الأدوات التنظيمية القديمة، ولم تتدرب على التقنيات الالكترونية الحديثة، لكنها سرعان ما أعطت لهذا البعد الاهتمام الكافي، ونجحت في استغلاله لفائدتها.

 

فقد عمدت القيادات التاريخية للحركة الإرهابية إلى انتهاج أسلوب اللقاءات المباشرة عن طريق الخطب في الجوامع، إذ صرح الإرهابي هيثم حراثي أنه التزم سنة 2011، حيث أصبح يتردد على الجوامع بجهة قصر هلال، ومن خلال حضوره لبعض الخطب الدينية التي تدعو إلى الجهاد، تأثر بالفكر السلفي الجهادي، وبعد اندلاع الثورة السورية، أصبح يتابع مايجري هناك عبر وسائل الإعلام أو عبر الشبكة العنكبوتية[2]، وإقامة الخيمات الدعوية، فقد صرح الإرهابي وائل السبري أنه تبنى الفكر السلفي الجهادي تحت تأثير المدعو حيدر، وكذلك من خلال حضوره بعض الخيمات الدعوية التي كان يحييها كل من كمال زروق وشكري بن عثمان المكنى أبو مهند، كما حضر مؤتمر أنصار الشريعة الذي انعقد بالقيروان خلال سنة 2012، واستمع إلى عديد الخطب التي كان يلقيها سيف الله بن حسين وسيف الدين الرايس[3].كما نجح تنظيم أنصار الشريعة من خلال استعماله لتلك الأساليب في الانتشار الواسع في فترة قياسية، فقد حضر قرابة 2500 عنصر سلفي ملتقى أنصار الشريعة الأول في سكرة في 21 ماي 2011، أما في ملتقى أنصار الشريعة الثاني بالقيروان فقد حضر حوالي 5000 مشارك، وفي 19 ماي 2013 عند محاولة تنظيم ملتقى أنصار الشريعة الثالث بالقيروان (تم منعه)، كان من المتوقع أن يحضره 10000 مشارك[4].

لم يكن تطور اللجوء إلى الاستعمال الإرهابي للانترنت حصرا على الرجال في تونس، بل على العكس تماما، فلقد ساهمت الطبيعة الذكورية للمجتمع، واحتكار الفضاء العام من طرف الرجال، بل وطبيعة الفكر الإرهابي ذاته، في انكفاء العنصر النسوي الإرهابي على الأدوار المتاحة عبر الانترنت. وهو ماسمح بتنامي التأثير النسوي أو المؤنث على الحالة الإرهابية التونسية، خاصة منذ أوت 2013، تاريخ تصنيف تنظيم أنصار الشريعة كمنظمة إرهابية في تونس. لكن هذا الدور باستثناء حالات محدودة، ظل في الفضاء الافتراضي من خلال الإرهاب المؤنث وعلاقته بالأنترنت[5].وفي المقابل يبدو أن جيلا جديدا من العالقين حد الإدمان في الاستعمال المكثف للأنترنت سوف ينال رضا القيادات الإرهابية التي ستقذف به فيأتون التنظيمات الإرهابية، دون وجل، أو مراعاة لهشاشته ذات الأبعاد المتعددة. هذا الاستعمال الإرهابي للأنترنت بواسطة الأطفال[6]، لم يكن في حقيقة الأمر خيارا تونسيا فحسب، بل تحول منذ ظهور داعش إلى صفة ملازمة للمشروع  الإرهابي في بعده الدولي.

 

 

الإرهاب المؤنث وعلاقته بالأنترنت

 

واقعة شباو بوادي الليل: نساء يحملن السلاح

 

على اثر اكتشاف وجود مجموعة من الفتيات في 23 أكتوبر 2014 بمنزل كائن في شباو بمدينة وادي الليل التابعة لولاية منوبة وتحوزهن على أسلحة نارية صحبة كل من الإرهابيين أيمن مشماش بوشطيبة المكنى أبو ذر وحسام النفزي[7]، تمت محاصرة المنزل من طرف قوات الأمن في حدود الساعةالسادسة صباحا، إلا أن المجموعة الإرهابية بادرت بإطلاق النار صوب الدوريات الأمنية، وتواصل تبادل الطلق الناري لمدة أربعة وعشرين ساعة إلى حدود صبيحة اليوم الموالي[8]. عن كيفية وصول الفتيات إلي منزلها بشباو وادي الليل، صرحت أسماء البخاري أمام التحقيق في 06 نوفمبر 2014 أن أيمن بوشطيبة الذي كان مقيما معهم بشكل شبه دائم قدأحدث صفحة على شبكة التواصل الاجتماعي فايسبوك باسمها الخاص تحت عنوان أم أمل (في إشارة إلى ابنتها أمل) وكان دائم الإبحار عبر شبكة الأنترنت، وتمكن من التواصل معالشقيقتين أمينة وايمان العامري وعرض عليهما فكرة الهجرة إلى سوريا للجهاد، وبعداستقطابهما، أقنعهما في مرحلة أولى بالالتحاق بهم في منزل شباو بوادي الليل، وهوما تم، إذ بحلولهما في بتونس أرسل لهما من تكفل بإيصالهما إلى المنزل[9].

 

كما تولت أمينة العامري زوجة الإرهابي أيمن مشماش بوشطيبة استقطاب الفتيات الراغبات في التحول إلى سوريا وذلك عن طريق شبكة التواصل الاجتماعي الفاسبوك[10]. عن عملية الاستقطاب تلك تقول أسماء البخاري متحدثة عن أمينة العامر: تمكنت في مرحلة أولى من استقطاب نسرين بن رمضان (19 عام) أصيلة أريانة والتي التحقت بالمنزل بعد أنقام الهاشمي المدني بجلبها بتنسيق من أمينة، واثر ذلك تمكنت من استقطاب

بية رجب (21 عام) والتي قام أيضا الهاشمي المدني بجلبها إلى المنزل، وقد تزوجت من أيمن بوشطيبة عرفيا وطلبت منه أن يقدم لها قطعة سلاح لمهر لها (رغم أنه كان متزوج من أمينة العامري المقيمة معهم بنفس المنزل وهي من قامت باستقطابها). كما تمكنت أمينة من استقطاب هندة السعيدي التي قدمت إلى المنزل صحبة حسام النفزي الذي تزوجته عرفيا[11].

 

خلال المواجهات التي جدت مع تلك المجموعة الإرهابية النسائية، في 23 أكتوبر 2014، تم استدعاء بعض أفراد عائلات الإرهابيين المطوقين بهدف الأثير عليهم لتسليم أنفسهم[12]، ألا أن تلك المحاولة لم تنجح. لاحقا روت أسماء البخاري أمام التحقيق وقائع تلك المواجهة المسلحة بين قوات الأمن والإرهابيات التونسيات المتحصنات بمنزل محاصر في منطقة شباو بوادي الليل: في حدود الساعة الخامسة وخمسة وأربعون دقيقة، تمت مداهمة المنزل من طرف قوات الأمن، في تلك اللحظة، كانت متواجدة بمعية هندة بالطابق الأرضي صحبة ابنيها أمل ومقداد، في حين كان يتواجد بالطابق العلوي كل من أيمن بوشطيبة المكنى أبو ذر وحسام النفزي، وكانت الفتيات نسرين وبية وأمينة وايمان بغرفة ثانية، بمجرد دخول أعوان الحرس الوطني إلى المنزل، سمعت طلقا ناريا نتج عنه إصابة أحد الأعوان فغادروا، اخذوا مكانا في الخارج وشرعوا في إطلاق النار، عندها خرجت وهي تمسك أحد أبنائها في اتجاه الأعوان مع بقية الفتيات طلبا للشهادة. وبعد إصابة أيمن بوشطيبة خلال تبادل إطلاق النار، حللت محله أمينة العامري التي أصيبت عندما كانت تتحوز على السلاح، وقد خرجت من المنزل مشهرة ذلك السلاح على الأعوان. أما المسدس الذي كان نزعه حسام النفزي من العون المصاب فقد أعطاه لهندة السعيدي بعنوان مهر لها[13].

كان منزل الهاشمي المدني وأسماء البخاري بمثابة دار ضيافة معدة لاستقبال الراغبين في السفر إلى سوريا للالتحاق بداعش التي كانت حديثة النشأة في ذلك الحين (بعد أربعة أشهر فقط من إعلان الخلافة من طرف أبو بكر البغدادي). وقد تم الاعتماد على آلية الاستقطاب عن طريق شبكة التواصل الاجتماعي، بأسماء مستعارة، ومن خلال اختيار الفتيات الصغيرات، اللاتي تسهل السيطرة عليهن وتوجيههن. وهو ما تم فعلا من خلال مغادرتهن الأهل إلى المجهول.

 

تمكنت أسماء البخاري وأمينة العامري من قطع كل صلة للفتيات بحياتهن السابقة، وتوقفت الاتصالات بالأهل، بعد أن تمت السيطرة عليهن بشكل كامل من طرف المجموعة التي كانت تخطط للتوجه إلى سوريا. لم يكن صغر السن هو العامل المحدد في الاختيار، بل لازمه أيضا افتقادهن جميعا لعمل قار يسمح بالإحساس بالاستقرار، ومستوي تعليمي متواضع. وهي جميعا معطيات سوف يتم اللجوء إليها كلما كانت هناك حاجة لتقييم المستقطبات.

 

محاولة دهس أمنيين قرب مقر الحكومة بالقصبة من طرف امرأة

 

في 08 نوفمبر 2017، وردت مكالمة هاتفية على قاعة العمليات التابعة لوزارة الداخلية مفادها تعمد سائقة سيارة نوع "أوبال أسترا" اجتياز الحواجز الأمنية المركزة على مستوى ساحة القصبة محاولة دهس أعوان الأمن. تبين لاحقا أنها قامت برصد أعوان الأمن بساحة القصبة دون أن يتم التفطن إليها[14]. تم التعرف عليها بالإضافة إلى الرقم المنجمي للسيارة[15]، من خلال شاهد كانت على تواصل معه عبر شبكة التواصل الاجتماعي الفاسبوك، والذي حقق أنها سبق أن حاولت القيام بعملية إرهابية وهمية لإثارة الارتباك الأمني في شارع الحبيب بورقيبة[16].

 

ورد في تدوينة تمت معاينتها على حسابها أنها تحترم الإرهابي الذي فجر نفسه على ذل السياسي الذي كبرت بطنه، لكنها لم تكن على علاقة مطلقا بأي تنظيم إرهابي، بل وكانت تنتمي إلى حزب سياسي لا علاقة له بالإسلام السياسي عموما[17].

 

إن الملفت في وضعية عيشة ونايسية، ليس فقط محاولة التنفيذ التي أعلمت عنها بنفسها قبل وقوعها بقليل[18]، ولا طبيعة ولائها السياسي ومساندتها لبشار الأسد[19]، ولكن لأنها تخرج نمطية الشخصية الإرهابية ومكوناتها القاعدية، فهي لم تتعاطف يوما مع التنظيمات الإرهابية،ولا فكرت في الصلاة، أو أثارتها مواقع الإرهابيين على الأنترنت، ولم تكشف المعاينات التي تمت على حسابها في شبكة التواصل الاجتماعي أنها تأثرت يوما بهذاالفكر، ولكنها مع ذلك تقول: عزمت على تنفيد عمل نوعي يتمثل في القيام بعملية دهس لأحد السياسيين بواسطة السيارة[20].

 

الأدوار الإرهابية المؤنثة من خلال التعامل الالكتروني

 

خلال استنطاقه في 12 فيفري 2016 ، صرح رضا المازني ، أنه تعرف على هويدة بن معاوية (20 عام) عبر الفاسبوك بعد أن تلقى دعوة منها، ثم تطورت الصداقة الإلكترونية بينهما إلى لقاءات، إلى أن أبدى رغبته في الاقتران بها[21]. وقد أعلمته في إحدى المقابلات أنه تسلمت من طرف بعض الإخوة مسدس وحزام ناسف تولت تسليمهم لرجل وامرأة بجهة حي الحديقة بتونس مقابل مبلغ مالي مقدر ب500 دينار، كما أفادته أنها تولت إخفاء المسدسات بارتدائه تحت جلباب فضفاض، كما وضعت المسدس في قطعة قماش[22].

 

وعند معاينة حسابه على شبكة التواصل الاجتماعي من طرف الأمن تبين أنه على علاقة الكترونية بصاحب حساب الرقية الشرعية، وأم معاذ، أبو قتادة، وأنه كان يمدهم بمعلومات حول ميناء رادس وميناء جرجيس، وعن عملية أنزال لمعدات من طرف قوات الأمن الأمريكية بميناء جرجيس[23].

 

كانت درصاف بن خميلة (المولودة عام 1992)، قد تحصلت على شهادة الباكالوريا خلال سنة 2012 ثم التحقت بكلية التجارة بمنوبة[24]، إلا أنها انقطعت بعد ثلاثة أشهر، أصبحت تتردد على جامع أبو هريرة بديبوزفيل (تحت سيطرة تنظيم أنصارالشريعة في تلك الفترة). تعرفت على مهدي طالبي المكنى أبومحمد، الذي سرعان ما غادر سوريا ، وانضم هناك إلى كتيبة الخنساء المنضوية بدورها تحت راية تنظيم الدولة الإسلامية[25]. أعلمها مهدي أنه متواجد بالقطر السوري من خلال التواصل معها على الفاسبوك على حسابها الذي يحمل اسم " أم زين العابدين"، ثم دعاها الى الالتحاق به، وأعلمها عن طريق شبكة التواصل الاجتماعي عن كيفية السفر، والوصول إلى القطر السوري. عن رحلتها تقول درصاف أنها: غادرت محل إقامتها بتاريخ 08 نوفمبر 2014، دون إعلام والديها،وسافرت إلى اسطنبول بتركيا عبر مطار تونس قرطاج، ومنها عبر الطائرة إلى مدينة غازي عنتاب، أين وجدت شخص مرسل من طرف مهدي، يحمل الجنسية السورية قام باستقبالها، ثم نقلها إلى منطقة الراعي على الحدود التركية السورية، هناك تسلمها مهدي ونقلها إلى الداخل السوري في مدينة حلب وتحديدا في منطقة الباب، أن توجه بها إلى المحكمة الإسلامية التي أبرمت عقد زواجهما.ثم توجهت معه إلى مقر سكناه، قبل أن تتحول معه، بعد أسبوعين إلى مدينة الرقة[26]. بعد مدة قصيرة، وخلال موفى شهر فيفري 2015، تم إعدام زوجها مهدي طالبي، لمعارضته لطريقة قتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة (عن طريق الحرق)، وهو ما اعتبرته داعش تحريض على الفتنة. وقد تمكنت خلال شهر جوان 2015 من الفرار إلى مدينة غازي عنتاب بتركياومنها إلى تونس[27]. قبل فرارها من مدينة الرقة، تم إعلامها أنه سيتم تزويجها من أحد الشباب بمجرد وضع حملها، وهو الأمر الذي لم تكن لتقبل به، فإذا كانت قد تركت أهلها، وسارت خلف رسائل الكترونية، فلأنها اختارت أن تكون مع مهدي طالبي، وليس لشدة إيمانها بمشروع الدولة الإسلامية، الذي اعتبر مجرد اختلاف في الرأي تحريض على الفتنة موجب للإعدام.

 

بحرص شديد ، اتخذت إيمان عبد الله حساب الكتروني على موقع التواصل تويتر يحمل اسم أم أسيد الغريبة، وهو حساب على درجة كبيرة من الإحتياطات الأمنية للحيلولة دون الولوج لكافة المعلومات المتاحة به[28]. وقد قامت باستعماله في نشر العديد من صور العمليات الإرهابية في تونس على غرار عملية بسوسة وكذلك مجموعة من الصور عن صفحة مرصد الحقوق والحريات بتونس مرفقة بنداء موجه لأمير تنظيم الدولة الإسلامية، ونصه: انه غوانتنامو تونس، هكذا هو التعذيب في دويلة تونس ، هكذا هو حال الأسرى يا أمير المؤمنين[29].

 

وقد استعملت الحساب الالكتروني المشار اليه للتحريض على استهداف الأجانب[30]، عن خبرتها في الإفلات من المراقبة الالكترونية، أجابت أنها وخلال ابحارها على الشبكة العنكبوتية خلال سنة 2015 تعرفت على العديد من المبحرات مثلها على غرار صاحبة الحساب "وهج" التي مكنتها مت تطبيقة VPN لاستعمالها عند الإبحار عبر شبكات التواصل الاجتماعي لحماية المعطيات الشخصية وحساباتها من الاختراق[31].

 

ومن خلال المعاينة التي تمت على حساب إيمان عبد الله على التليغرام تحت اسم"غربية الأوطان" والحوار الذي دار بينها وبين صاحبة الحساب وهج، تم الإطلاع على رغبة ايمان عبد الله في القيام بعملية انتحارية، إلا أن صاحبة الحساب وهج نهتها عن ذلك وأعلمتها أن زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي يرفض قيام النسوة بمثل تلك العمليات[32].

 

تحولت فاطمة الزواغي، خلال فترة قصيرة إلى قيادية من الصف الأول في تنظيم أنصار الشريعة [33] لصمودها أمام التعذيب منجهة، ولأنها كادت أن تنجح إدارة عملية اغتيال السفير الأمريكي من خلال التواصل الكترونيا  بمراد الشايب المكنى لقمان أبوصخر، ومجمعة إرهابية بالكرم الغربي، وإعداد خطة محكمة تقضي بالقيام بتفجير سيارة مفخخة أمام محل الحلاقة بقرطاح بيرصا الذي يرتاده السفير الأمريكي بانتظام شديد مرة كل 16 يوما (50). وقد قامت فاطمة الزواغي بالإشراف على صفحة الكترونية تابعة لتنظيم أنصار الشريعة تحمل اسم افريقية للإعلام، ضمن نشاطهابالجناح الإعلامي للتنظيم.كما أدارت في نفس الوقت حساب الكتروني تحت اسم "ذو البجدين" وهو حساب كان أنشأه أكرم السحباني.

 

كانت رانية الكرماوي (المولودة سنة 1990) قد تجاوزت مستوى الانضمام التي التنظيمات الإرهابية إلى مرحلة تشفير الرسائل وإدارة العلاقات بين المجموعات المتباعدة بسبب الملاحقة الأمنية. وهو الدور الذي تم الكشف عنه في قضية عين الدبة من ولاية جندوبة [34]، فقد صرح عمار الفالحي العقيد في سلك الحرس الوطني ورئيس الإدارة الفرعية للتوقي من الإرهاب في 28 جوان 2014، والذي تعرض بنفس التاريخ إلى انفجار لغم أرضي أدى إلى بتر ساقه: أنه وعلى اثر تلقي تصريحات الإرهابي وائل البوسعيدي حول وجود مجموعة إرهابية بعين الدبة من ولاية جندوبة، تقرر تمشيط المكان[35] ،كان أيمن العيادي زوج رانيا الكرمادي مكلفا بإيصال المؤونة للإرهابي الخطير راغب الحناشي، إلى أن تم إيقافه في القرجاني، مما اضطره إلى قطع علاقاته براغب الحناشي، فتحولت رانيا إلى منزل الإرهابي صبري الخميري وبقيت في انتظاره صحبة والدته، ثم عندما تأخر، تركت له إرسالية قصيرة مشفرة[36]، وبعودتها إلى منزلها، تم إلقاء القبض عليها .

 

تبنت أمينة بخايري (مولودة عام 1997) الفكر الجهادي من خلال إبحارها عبر المواقع الاجتماعية الجهادية، وتواصلها مع بعض أفراد تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام، وقد تم ذلك التبني من خلال تنزيلها بجهاز حاسوبها لمحاضرات كمال زروق وسيف الله بن حسين ومناشير تحتوي على تمجيد لتنظيم داعش[37]. قد تم اكتشاف أمرها عندما رفضت بوصفها تلميذة تدرس بمعهد تكوين الإطارات "افريكا سنتر" الكائن بقفصة، القيام بدقيقة صمت وتلاوة سورة الفاتحة على أرواح ضحايا العملية الإرهابية لحافلة الأمن الرئاسي التي جدت بشارع محمد الخامس في 24 نوفمبر 2015[38].

 

للشقيقتين أمل وسيرين العكايشي (الأولى مولودة عام 1996 والثانية عام 1994) حلمهما الخاص، فقد قامت سيرين بالتحريض على الجهاد عن طريق الفاسبوك، كما تمت معاينة كتابة خطية على حائط مستودع يتفرع عن منزلهما مفادها أن الدولة الإسلامية باقية، أكدت سيرين أنها كتبتها منذ مدة مستعملة قارورة بخاخ دهن. وبمعاينة حاسوبها تم العثور بذاكرته على صور مقاتلين يتبعون تنظيم داعش، وصورة مسدس كتب أسفله طاغوت، أكدت سيرين أنها قامت بتحميلها من موقع فايسبوك. وعند تفتيش منزلها، تم حجز مبلغ مالي قدره 5660 دينار، كان مخبأ بخزانة ملابسها، صرحت بشأنه أنها تسلمته من البنك التونسي (فرع بوسالم)، كانت امرأة قطرية الجنسية تدعى حصة قد أرسلته لها مقابل تحولها إلى سوريا[39]. كما تبين أن سيرين سبق لها أن تلقت مبلغا ماليا قدره 4000 ريال قطري مرسل من نفس المرأة[40].

 

خلال استنطاقها، أكدت بثينة السالمي زوجة الإرهابي الطاهر ضيف، أكدت أنها سمعت زوجها تتحدث عبر تطبيقة التليغرام عن قيامه بإخفاء أسلحة بمنطقة العوجاء بالجنوب التونسي[41]، كان خلال إقامته بمدينة جميل بليبيا على صلة بعناصر قيادية من تنظيم داعش بليبيا، وأنه كان يتواصل معهم بواسطة تطبيقة التليغرام، وبرسائل مشفرة باستعمال تطبيقة أمن المجاهد[42]، خاصة أثناء مخاطبته للمتحدث الرسمي لتنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام المكنى العدلاني. وقد صرح الإرهابي الطاهر ضيف الله أنه قام بتحويل مبالغ مالية هامة إلى طلال السعيدي أمير كتيبة جند الخلافة[43].

 

كانت الطفلة نجلاء عباسي (مولودة عام 1999) قد فتحت خلال سنة 2015 حساب على شبكة التواصل الاجتماعي فايسبوك، تحت اسم الأنصارية القيروانية بعد الحذف، معتقدة أن عبارة الأنصاري تشير إلى تنظيم أنصار الشريعة[44]. قد قامت بنشر نص مفاده السؤال عن سبب تأخر وقوع العمليات المبشر بها، وان كانت داعش بالفعل على الأبواب[45]، فتلقت إرسالية الكترونية صادرة عن شخص يكنى أبو عبد الله القليبي، عارضا عليها الزواج والنفير أي الهجرة بعد الزواج إلى سوريا. عند استنطاق  المكنى أبو عبد الله القليبي الذي اتضح أنه يدعى فارس بلوم، صرح أنه على تواصل عبر الفاسبوك مع ابن خالته الموجود بسوريا محمد أمين بناصف الذي يمده بأخبار المقاتلين في سوريا ، ويحثه على الالتحاق به[46].

 

تعرفت الطفلة اشراق الجباري(المولودة عام 1999)، خلال سنة 2014، عبر الفاسبوك، على زوجة صاحب قناة التوحيد بليبيا، التي أرشدتها على أحد المواقع وهو منبر الجهاد والتوحيد، ضمن استنطاقها أقرت أنها أطلقت على نفسها كنية أم خباب[47]، وقد تعرفت عبر ذلك المنبر على بلقاسم الشايبي المكنى أبو مصعب القابسي، الذي كلفها بالإشراف على صفحة أسود تونس التابعة لكتيبة عقبة ابن نافع، ثم صفحة أحفاد عقبة ابن نافع التابعة لنفس الكتيبة[48]، وهو ما قامت به بعد أن أصبحت ترتدي النقاب وتتبنى الفكر الجهادي.

صرحت الطفلة غفران عرجون (المولودةعام 1997)، أنها خلال سنة 2015، وقبل بلوغها سن الرشد بثلاثة أشهر، كانت تبحر على شبكات التواصل الاجتماعي، ولها عدة حسابات، سواء على الفيسبوك أو التويتر، وكانت على علاقة بعدد من النساء الحاملات للفكر الجهادي من بينهن رحاب الشارني وإسراء دخايلية وايمان بن عبدالله وشعلاء بالسعود وراوية الحجري ورحاب هرمي ورحمة نبلطان[49]، وكن يقمن بتنزيل تعاليق وملاحظات حول كل الصور وأشرطة الفيديو التي يقع نشرها في علاقة بالتنظيمات الإرهابية، وخاصة منها كتيبة عقبة ابن نافع[50]. وقد كانت إيمان بن عبد الله تقدم نفسها على أنها المشرفة على المنتدى الإعلامي الجهادي الذي كن ينشطن ضمنه[51]. في حين كانت المكناة مروى تشرف على صفحة بشبكة تويتر باسم أسرى التوحيد بإفريقية، تستغلها في نشر الأخبار المتعلقة بالقبض على العناصر السلفية[52].

 

ويمكن القول أن الإرهاب المؤنث في تونس تطور في اتجاهين متكاملين ومتلازمين: الأول داخل البنية التنظيمية الإرهابية من الهامش إلى قيادة الخلايا الإرهابية المؤنثة، والثاني من خلال تطور أدوارها في العمليات الإرهابية من المساعدة على الإعداد والإسناد والتحضير للعمليات الإرهابية إلى التنفيذ رأسا.


[1]كمال ألعياري: الإرهاب والانترنت، قضاء وتشريع جوان 2004 ص14

SMIDT (A) et De GRAAF (J) : violence as communication: insurgent terrorism and the western news media, londers, sage,1982[1]

[2]  ملف كتيبة صبراتة: المتبايعون على الموت: قرار دائرة الاتهام عدد 50 الصادر عن محكمة الاستئناف بتونس في 31 ديسمبر 2015

[3]نفس المصدر السابق

[4] الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب: دراسة غير منشورة من إعداد رئاسة الحكومة ص 15

[5]قرار ختم البحث في القضية التحقيقية عدد 32518 الصادرة عن عميد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس،والذي تضمن اعترافات الهاشمي المدني بوجود مجموعة إرهابية نسائية متحصنة بمنزل بمنطقة شباو واد الليل تستعد للسفر خلسة إلى سوريا عبر ليبيا وتملك أسلحة نارية

[6]أسفرت العملية الأمنية عن استشهاد عون الحرس الوطني التابع للوحدة المختصة أشرف بن عزيزة وإصابة عونين هما كريم قوادرية وخالد نني في حين قتل:

-       خمسة نساء كن داخل المنزل وهن: بية رجب (21 سنة) وهندة السعيدي (21 سنة) وأمينة العامري (20 سنة) وإيمان العامري (17 سنة) ونسرين بن رمضان (19 سنة)

-       كما قتل أيضا الإرهابي أيمن مشماش بوشطيبة (31 سنة)

-       -وتعرض بقية المتحصنين بالمنزل إلى إصابات متفاوتة: أسماء البخاري (إبنة شقيق الخطيب البخاري المكنى الإدريسي وزوجة الهاشمي المدني) وعمرها 26 سنة، وإبنتها أمل المولودة سنة 2012 وابنه مقداد المولود سنة 2013

[7]  نفس المصدر السابق، وقد ورد به محضر استنطاق أسماء البخاري أمام قاضي التحقيق في القضية المشار إليها، بعج أن سبق تأخير استنطاقها إلى حين تعافيها من الإصابة التي تعرضت إليها.  

[8] محضر الوحدة الوطنية للأبحاث في جرائم الإرهاب عدد 5000 بتاريخ 30 أكتوبر 2014

[9]  نفس المصدر السابق

[10] تم استدعاء كل من:

-       جلال رجب والد بية رجب

-       ليلى مصطفى والدة هندة السعيدي

-       لطيفة زراعي: والدة حسام النفزي

كما تم احضار الهاشمي المدني زوج أسماء البخاري للتأثير عليها وعلى صديقه أيمن مشماش الذي كان يشرف على العمليات من داخل منزل محاصر

[11]  نفس المصدر السابق

[12] مصدر سبق ذكره.

[13]قرار ختم البحث عدد 32518: مصدر سبق ذكره

[14] محضر بحث محرر من طرف الوحدة الوطنية للأبحاث في جرائم الإرهاب بالقرجاني عدد 1386 بتاريخ 23 نوفمبر 2017

[15]تبين أن السيارة على ملك مشغلتها التي كانت تسلمها لها في بعض الأحيان لقضاء شؤونها الخاصة ومالكة السيارة متقاعدة من وزارة الصحة وزوجة ديبلوماسي سابق

[16] قامت بصنع مجسم يتمثل في اسطوانة حديدية ألصقتها بقطعة حديد أخرى باستعمال شريط لاصق ووضعت فوقها منبه صغير وبطارية عثرت عليها بأغراض قديمة ووضعت داخل المجسم مسحوق حارق وأضافت لها رسالة مكتوبة بخطها ثم قامت بوضع كل ذلك داخل كيس تركته ليلا بمقهى البرناس بالعاصمة

[17]  عبرت خلال استنطاقها على حقدها وكرهها لجميع السياسيين واعتبرتهم المسؤولين عن الوضع المتردي للبلاد وخاصة وأنهم يستغلون مناصبهم لخدمة أغراضهم الشخصية. كما اعتبرت أن الإطاحة بهم وقلب نظام الحكم بقوة السلاح لا يعد عملا إرهابيا

[18] ثبت بالملف أنها اتصلت بأحد الأمنيين وأعلمته بنيتها قبل المرور إلى التنفيذ.

[19] نفس المصدر السابق

[20]نفس المصدر السابق

[21] قرار دائرة الاتهام عدد 942 الصادر عن محكمة الاستئناف بتونس في 23 فيفري 2017

[22] نفس المصدر السابق

[23]نفس المصدر السابق

[24] قرار دائرة الاتهام عدد 789 الصادر عن محكمة الاستئناف بتونس في 6 أكتوبر2016

[25] نفس المصدر السابق

[26] نفس المصدر السابق

[27]  نفس المصدر السابق

[28] قرار دائرة الاتهام عدد 730 الصادر عن محكمة الاستئناف بتونس في 23 جوان 2016

[29]  نفس المصدر السابق

[30]نفس المصدر السابق

[31]  نفس المصدر السابق

[32]  نفس المصدر السابق

[33] قرار ختم البحث عدد 731 الصادر عن محكمة الاستئناف بتونس في 23 جوان 2016

[34]  ملف محاولة اغتيال السفير الأمريكي في تونس:الإرهاب في تونس من خلال الملفات القضائية: مصدر سبقت الإشارة إليه

[35] قرار دائرة الاتهام عدد 41 الصادر عن محكمة الاستئناف بتونس في 7 جانفي 2016

[36] تم العثور على أثار تدل على وجود مخيم به مواضع فردية

[37]  قرار دائرة الاتهام عدد 41 مصدر سبق ذكره

[38] نفس المصدر السابق

[39] قرار دائرة الاتهام عدد 768 الصادر عن محكمة الاستئناف بتونس بتاريخ 30 جوان 2016

[40] نفس المصدر السابق  

[41] قرار دائرة الاتهام عدد 1587 الصادر عن محكمة الاستئناف بتونس في 21 ديسمبر 2017

[42] نفس المصدر السابق

[43] نفس المصدر السابق

[44] قرار دائرة الاتهام عدد 780 الصادر عن محكمة الاستئناف بتونس بتاريخ 27 أكتوبر 2016

[45] نفس المصدر السابق

[46] نفس المصدر السابق

[47] قرار دائرة الاتهام عدد 705 الصادر عن محكمة الاستئناف بتونس بتاريخ 16 جوان 2016

[48] نفس المصدر السابق

[49] قرار دائرة الاتهام عدد 753 الصادر عن محكمة الاستئناف بتاريخ 27 أكتوبر 2016

[50] نفس المصدر السابق

[51]  نفس المصدر السابق

[52] نفس المصدر السابق